سكــــــين الخـطــــــاط
عباس يوسف
ربما ترتبط مفردة سكين بخلاف جذرها اللغوي كما ورد في المعجم الوسيط (سكن) المتحرك- سكونا: وقفت حركته والريح هدأت، والنفس بعد الاضطراب هدأت إليه: استأنس به واستراح إليه بالحذر.. بالخوف.. بالعدوانية.. كونها آلة للذبح والقطع والقتال والقتل - والدفاع عن النفس أيضا - لكن ارتباطها عند الخطاطين ارتباط مختلف جداً وبمسافات، فهو ارتباط لطف ومحبة ومودة وجمال.
‘’لا يعتز الخطاط بقلمه وحبره وورقه كاعتزازه بسكينه التي يقط بها أقلامه ويلمها إذا تشققت’’ تراجم خطاطي بغداد جرت العادة أن يتبادل الخطاطون فيما بينهم الورق والأحبار والأقلام أيضا إلاّ أنه قل ما نجد مَنْ منهم يهدي سكينه لآخر.
ولأهمية السكين ومكانتها عند الخطاطين يجعل بعضهم لها قراباً كقراب السيف حتى لا تصدأ ويوليها عناية خاصة لدرجة أنها تصل عند البعض نوعا من حالة الهوس بأنواع السكاكين وبطريقة العناية بها حتى لا تكل أو تثلم وليبقى معدنها صقيلاً صافياً.
وتدخل صناعة السكاكين الخاصة بقط القلم ضمن المهن الاحترافية حتى غدت في غالب الأحيان تعرف باسم صانعها وتعد مدينة زنجان الإيرانية مركز هذه الصناعة الفاخرة التي تميزت، حتى أن مشاهير الخطاطين أخذوا يؤمونها لاقتناء (سكاكينهم) والسكين الكبيرة تصلح لقط القلم الجليل ولا تصلح لشق جلفته بل ربما تفسدها (أي تخربها حتى لا تعود تصلح للكتابة) والصغيرة أيضاً.
ويتم قط القلم باستعمال السكين بمسكه بإحكام في قبضة اليد بسحبة مقوسة من الأعلى للأسفل وذلك بتكوين انحناء بطول قدره تقريباً قطر القلم المستخدم، ومن أسرار هذا القط هو تحديد طول الانحناء بما يلائم حالة يد الخطاط.
ويطلق على قسمه الحاد ‘’النصل’’ وعلى قسمه المصنوع من ناب الفيل أو العظم أو خشب الأبنوس أو العُنّاب أو الصدف أو المرجان أو العقيق أو نبات الصبر أو البلسم ‘’المقبض’’ وهناك أيضاً المصنوع من الذهب أو المُكَبَّسة بالذهب.
(صنعتنا الخطية) لمحي الدين سرين - ترجمة مصطفى حمزة
قال الوزير أحمد بن مقلة واستحد السكين حداً، ولتكن ماضية جداً، فإنها إذا كانت كالة جاء الخط رديئاً مضطرباً وجرت العادة أن تكون سكين الخطاط ذات نصلين يستعمل الأول لِسَنِّ القلم والثاني في قطه فقط، ذلك لأن القط الحادّ والصافي للقلم يحتاج سكينا حادة.
ذكر في صبح الأعشى للقلقلشندي: قال محمد بن عمر المدائني ‘’ينبغي أن تكون السكين لطيفة القد، معتدلة الحد’’.
سكين الخطاط ليست كأي سكين، إنها روح تنساب على الورق وقصب لا يكون إلا بها.
يقول حسين المحروس ‘’سكين الخطاط لا تجرح. هي السكين التي تتفرد بتهيئة القلم لجرح الورق بالحرف. أليست الكتابة شقّاً بالكلمات؟ أليست الكتابة جرحاً’’.
المصدر : جريدة الوقت